رمضان شهر الدعاء
الله تعالى قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وذلك في كل حين، وبخاصة في رمضان، كما تقدم معنا أن لكل مسلم دعوة مستجابة في رمضان، فينبغي للمسـلم الاجتهاد في الدعاء، مع تحـري أسباب الإجابة.
ومجمل تلك الأسباب خمسة، هي:
الأول: اختيار الزمان الفاضل، وذلك في وقت السحر، وفي أدبار الصلوات المكتوبات، وما بين الأذان والإقامة، وفي الساعة الأخيرة من يوم الجمعة، وعند دخول الإمام إلى أن تنقضي صلاة الجمعة، وعند إفطار الصائم.
الثاني: اختيـار المكـان الفاضل، كالمساجد، ومكة، والمدينة، وغيرها.
الثالث: حال الداعي، كأن يكون مسافرًا؛ فإن المسافر مستجاب الدعوة، أو أبًا يدعو لولده، أو صائمًا، أو مقاتلاً؛ فإن الدعاء عند التحام الصفين مستجاب، أو مظلومًا؛ فإن دعوة المظلوم لا ترد، بل يرفعها الله تعالى فوق السحـاب ويقـول: "وعزّتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعـد حين" أو يكون الداعي مضطرًا، وحقيقة الاضطرار: أن ينقطع العبد من جميع الأسباب، ويتوجه بكل رجائه إلى الله وحده، ويفوض أمره إليه تفويضًا تامًا، قال الله تعالى:(أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)[النمل: 62] .
فينبغي أن يكون الداعي على حال من الانكسار والاضطرار، والإخبات والانقطاع من الأمل في غير الله، وألا يكون دعاؤه على سبيل التجربة غير الواثقة؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ"وقد جاء هذا الحديث بإسنـادين يقوي أحدهما الآخر فهو حديث حسن.
الرابع: صفة الدعاء، فيحرص الداعي على الالتزام بآداب الدعاء من وضوء، واستقبال للقبلة، ورفع لليدين، وتكرير للدعاء ثلاثًا، واختياراً لجوامع الدعاء، وإطابة للمطعم، وتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وألا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم، وغير ذلك من الآداب النبوية.
وهنايجدرالتنبيه إلى خطأ يقع فيه كثير من الناس عندما يدعون، وهو الاعتداء في الدعاء؛ ومنه:
أولاً: أن يفصَّل الداعي في دعائه تفصيلاً لا لزوم له، كما يقول بعض الناس اليوم في دعائهم: "اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، وأخوالنا وخالاتنا، وأعمامنا وعماتنا".. ويمضي يعدد أقاربه، ثم ينتقل إلى تفصيـل الدعاء لجيرانه، ثم لزملائه.. وهكذا يسـتغرق وقتًا ليس باليسير في هذه التفاصيل، وكان يُغنِيه أن يقول: اللهم اغفر لنا، ولأقاربنا، ولأحبابنـا.. بهـذا الإجمال. ورحمـة الله واسعة.
ثانيًا: أن يدعو الداعي اللهَ بأسـماء لم ترد عن الرسـول صلى الله عليه وسلم ؛ كقـول بعض الداعين: يا غفران، يا سـلطان، فإنهمـا ليسـا من أسماء الله - جل وعلا-.
ثالثًا: المبالغة في رفع الصوت بالدعاء، وقد انتشر ذلك في زماننا بخاصة؛ لوجود مكبرات الصوت، فربما سمعت الذي يدعو في شرق المدينة وأنت في غربها، وهذا لا يليق، فإن كان الداعي إمامًا يدعو والناس يؤمَّنون وراءه؛ فليكن رفعه لصوته بقدر ما يسمعه المصلون، ولا داعي للمبالغة في رفع الصوت؛ فإنه اعتداء وباب إلى الرياء.
وإن كان الداعي وحده يدعو لنفسه فليكن دعاؤه سرًا، كما قال تعالى – عن زكرياعليه السلام: ( ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيَّا ) [مريم: 2، 3]، والعبادة كلما كانت سرًّا كانت أقرب إلى الصدق والقبول.
الخامس: زوال المانع، فإن هناك أمورًا تمنع من إجابة الدعاء، منها أكل الحرام: سواء عن طريق الربا، أو الغش، أو تنفيق السلعة بالحلف الكاذب، أو أكل مال اليتيم، أو غير ذلك، ففي صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا ربَّ يا ربَّ. ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذَّي بالحرام، فأنىَّ يستجاب لذلك ؟!
اللهم استجب لناواجعلنا من المقبولين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق