السبت، 20 يوليو 2013

دروس رمضان ليلة١٣


رمضان شهر الإنفاق
 
النفقة - عمومًا- من أسباب القرب إلى الله تعالى ودخول الجنة، وهي لا تُنْقِص مال المنفق، بل تزيده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه "
وإنها لفرصة ثمينة أن ينال العبد الأجر العظيم، بصدقة لا تنقص ماله، بل تزيده.
— وفي شأن الصدقة والإنفاق وردت أحاديث صحيحة كثيرة، يتبين بها أنها من أعظم أبواب دخول الجنة، وإليك شيئًا منها:
عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاثة أُقسم عليهن وأحدثكم حديثًا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزًا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر- أو كلمة نحوها-. وأحدثكم حديثًا فاحفظوه، قال: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا؛ فهذا بأفضل المنازل.
وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته؛ فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا، فهو يخبط في ماله بغير علم ، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا؛ فهذا بأخبث المنازل.وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته؛ فوِزْرهما سواء"
وفي ذلك دلالة على أن نية المؤمن الصادقة أن ينفق في سبيل الله، أو يعمل أي عمل من الصالحات؛ تبلغه منازل العاملين، ولكن بشرط أن تكون نية صادقة، لا أمنية كاذبة، كما هو حال بعض الأشقياء الذين يتمنون أن يرزقهم الله، ولو رزقهم لكفروا:( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَاتنَا مِنْ فَضْلِهِِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِيَن ، فَلَمَّا ءَاتَاهُم مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَهُمْ مُعْرَضُونَ ، فَأعْقَبَهُمْ نِفَاقاً في قُلُوِبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ ) [التوبة: 75-77].

وفي الحديث المتفق عليه عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه. فاتقوا النار ولو بشق تمرة"

وفي الحديث الآخر المتفق عليه -أيضًا- أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في أضحى أو فطر إلى المصلى، ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال: "أيها الناس تصدقوا" . فمر على النساء فقال: "يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار"
فبين صلى الله عليه وسلم أن الصدقة من أعظم أسباب الوقاية من النار، ولو كانت باليسير.

والصدقة دليل على صدق إيمان العبد؛ ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم -في حديث الحارث الأشعري الذي رواه مسلم-: "والصدقة برهان "
لأن النفس مجبولة على حب المال، فإذا تغلب العبد على نفسه وأنفق المال في سبيل الله؛ كان ذلك برهانًا على أنه يقدم مرضاة الله ومحبوباته على محبوبات نفسه. (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9، والتغابن:160].
والأحاديث الواردة في الصدقة كثيرة جدًا.
لكن ثمة أمر ينبغي أن يحرص المتصدق عليه، وهو أن تكون صدقته سرًّا بقدر الإمكان، فقد جاء في الحديث الذي رواه الطبراني بسند حسن -كما يقول الدمياطي في (المتجر الرابح)- عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر"
فالحاصل أن فضل الصدقة عظيم، وثوابها عند الله جزيل، فينبغي للمؤمن أن يحرص على الإكثار منها دائمًا، وفي رمضان خاصةً ينبغي أن يضاعف العبد إنفاقه في وجوه الخير؛ اقتداءً بنبي الهدى صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.
- وإنما كان جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان خاصة مضاعفًا؛ لأسباب ثلاثة:
الأول: لمناسبة رمضان، فإنه شهر تضاعف فيه الحسنات، وترفع الدرجات، فيتقرب العباد إلى مولاهم بكثرة الأعمال الصالحات.
الثاني: لكثرة قراءته صلى الله عليه وسلم للقرآن في رمضان، والقرآن فيه آيات كثيرة تحثُّ على الإنفاق في سبيل الله، والتقلل من الدنيا، والزهد فيها، والإقبال على الآخرة، فيكون في ذلك تحريك لقلب القارئ نحو الإنفاق في سبيل الله تعالى. وحريٌّ بكل من يقرأ القرآن أن يكثر من الصدقة في سبيل الله.
الثالث: لأنه صلى الله عليه وسلم كان يلقى جبريل في كل ليلة من رمضان، ولقاؤه إياه هو من مجالسة الصالحين، ومجالسة الصالحين تزيد في الإيمان، وتحث الإنسان على الطاعات، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصدقة في رمضان.

وكان يعطي صلى الله عليه وسلم عطاءَ من لا يخشى الفقر، فقد حدث أن أعطى غنمًا بين جبلين 
وربما اشترى الشيء، ودفع ثمنه، ثم رده على بائعه وأبقى عنده الثمن وربما اشترى فأعطى الثمن وزيادة .
وربما اقترض شيئًا فرده بأحسن منه. وكان يقبل الهدية ويثيب عليها أكثر منها 
وكان - عليه صلوات الله وسلامه - يفرح بأن يعطي أكثر من فرح الآخذ بما يأخذ، حتى إنه ليصدق عليه - وحده - قول الأول:
تـراه إذا ما جئتَـه متهلِّـلاً كأنك تُعطيه الذي أنتَ سائله
هذا غيض من فيض من فنون جوده صلى الله عليه وسلم، التي يصعب حصرها


اللهم اجعلنا من المقبولين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق