الاثنين، 29 يوليو 2013

دروس رمضان ليلة٢١



الاعتكاف
 
وهو لزوم المسجد بنية مخصوصة؛ لطاعة الله تعالى. وهو مشروع مستحب باتفاق أهل العلم، قال الإمام أحمد -فيما رواه عنه أبو داود-: "لا أعلم عن أحد من العلماء إلا أنه مسنون"، ونقل عن الإمام مالك أنه قال: " تأملت أمر الاعتكاف، وما ورد فيه، وكيف أن المسلمين تركوه، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتركه؛ فرأيت أنهم إنما تركوه لمشقة ذلك عليهم"، وقال -رحمه الله-: "ولم أعلم عن أحد من السلف أنه اعتكف إلا أبا بكر بن عبد الرحمن"، وما قاله الإمام مالك متعقب، فإنه قد نقل عن جماعات من السلف أنهم كانوا يعتكفون.
وقال الزهري - رحمه الله-: "عجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله "

سرُّ الاعتكاف:
إن في العبادات من الأسرار والحكم الشيء الكثير، ذلك أن المدار في الأعمال على القلب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"
وأكثر ما يفسد القلب الملهيات، والشواغل التي تصرفه عن الإقبال على الله ؛ من شهوات المطاعم، والمشارب، والمناكح، وفضول الكلام، وفضول النوم، وفضول الصحبة...، وغير ذلك من الصوارف التي تفرق أمر القلب، وتفسد جمعيَّته على طاعة الله، فشرع الله تعالى قربات تحمي القلب من غائلة تلك الصوارف، كالصيام - مثلاً-، الصيام الذي يمنع الإنسان من الطعام والشراب والجماع في النهار؛ فينعكس ذلك الامتناع عن فضول هذه الملذات على القلب، فيقوى في سَيْره إلى الله، وينعتق من أغلال الشهوات التي تصرف المرء عن الآخرة إلى الدنيا.
على أن هذا الامتناع عن رغبات النفس في حال الصيام امتناع معتدل، ليس فيه ما في الأديان الأخرى والمذاهب الأرضية الباطلة من الغلو، كما هو حال الذين يصومون شهرًا كاملاً ليله مع نهاره، أو يمنعون أنفسهم من الأكل والشرب والنوم عدة أيام - وربما على مدى شهور-، أو يدفنون أنفسهم في الأرض، أو يفعلون غير ذلك من صور الجور على الجسد، والغلو في منعه من رغباته.
هذا كله ليس في الإسلام، وإنما فيه صيام معتدل تحصل به تربية الجسد، وحماية القلب وتقويته، من دون إفراط أو تجاوز.
وكما أن الصيام درع للقلب يقيه مغبة صـوارف الشهوة: من فضول الطعام، والشراب، والنكاح؛ فكذلك الاعتكاف، ينطوي على سر عظيم، وهو حماية العبد من آثار فضول الصحبة؛ فإن الصحبة قد تزيد على حد الاعتدال؛ فيصير شأنها شأن التُّخمَة بالمطعومات لدى الإنسان، كما قال الشاعر:عدوُّك مِن صَديقكَ مُسْتَفاد  فلا تَسْتَكثِرَنَّ من الصِّحَابِ  
فإن الـدَّاء أَكْثـرُ ما تَـرَاه  يَكُون مِنَ الطعامِ أو الشَّرابِ  
وفي الاعتكاف - أيضًا - حماية للقلب من جرائر فضول الكلام؛ لأن المرء غالبًا يعتكف وحده، فيقبل على الله تعالى بالقيام وقراءة القرآن والذكر والدعاء.. ونحو ذلك.
وفيه –كذلك- حماية من كثرة النوم؛ فإن العبد إنما اعتكف في المسجد؛ ليتفرغ للتقرب إلى الله، بأنواع من العبادات، ولم يلزم المسجد لينام.
ولا ريب أن نجاح العبد في التخلص من فضول الصحبة، والكلام، والنوم؛ يسهم في دفع القلب نحو الإقبال على الله تعالى، وحمايته من ضد ذلك.

اللهم اجعلنا من المقبولين 

لطول الدرس تجد تتمته على المدونة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق